بحث هذه المدونة الإلكترونية

‏إظهار الرسائل ذات التسميات نسائم أحاسيس. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات نسائم أحاسيس. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 27 مايو 2011

المدينــة !



كان يرتدي بنطالا قصيرا . وجوارب بيضاء طويلة تعلو جزمته بقليل . وكانت ألحان الغرام تنتشر في الأجواء . فتهادى وتراقص على أثيرها أثناء مسيره على الطريق الطيني الذي يتوسّط القرية !...
على طرفي الطريق الطيني ، تناثرت بيوت الفلاحين وحقولهم . وأمامه كان يسير صبيّان كانا يتراقصان أيضا على أنغام المجهول العذبة ، فانسجم معهما في الإيقاع . تنبّها إليه وأخذا يتضاحكان ويُسايرانه في الإيقاع !..
وصل الصّبيان إلى مكان قرب حقول الذّرة المُسيّجة وجلسا . وتابعا خطواته المنتظمة التي سارت على نفس الوتيرة والإيقاع ولم تنقطع . وبعيدا عنهما كان يقف صبيٌّ ثالث يُراقب المشهد وهو باسم . يُمسك بإحدى يديه عمودا من أعمدة السّياج ، وبيده الأخرى يُمسك بوسطه !..
إندفع مجذوبا بتلك الأنغام وسط (زقاق) بين الحقول . والتقى بسيّدة تحمل فوق رأسها صندوق سمك ، فانحنى أمامها وحيّاها وواصل المسير !..
في الجانب الآخر من الزقاق ، تتواجد حبيبته . وكانت وقتئذٍ تتزيّن من أجله ، وترش المساحيق على وجهها الأسمر من أجله . وبعد لحظات كان عندها ، وعانقها بشوق . وأخذا يتحدّثان عند باب شقتها مدّة ، قبل أن يأخذ بيدها ويسيران معا في رحلة العودة على نفس الطريق الطيني ، لكن هذه المرّة هو يأخذها في رحلة إلى المدينة !..
ركبا في القطار . فجلست بالقرب منه . وأسندَت رأسها على كتفه . فكان يهمس لها في أذنها . فتبتسم أحيانا من همساته المُدغدغة ، وتنفجر ضاحكة في أحيان أخرى ، وحين تفقد السّيطرة !..
أمامهما كانت تجلس أمٌّ ترضع طفلها دون أن تغطي نفسها . فكانت ترفع رأسها نحوهما كلما تعالت ضحكاتهما !..
وصلا إلى المدينة ، وأخذا يجوبان شوارعها وأسواقها . وفي إحدى الأسواق توقفت فجأة أمام دكان حلاقة علق صاحبه على الواجهة صورا لأنواع من الحلاقة !.. فأخذت تتحسّس رأسها الحليق . فحضنها إليه وأدخلها المحل !..
حلقت ما تبقى من شعر رأسها الحليق . فهنأها بتصفيفة شعرها الجديدة بأن طبع قبلة على جبينها !..
واصلا تسكعهما في المدينة طوال النهار . وفي المساء إنتهى بهما المطاف أمام نادٍ ليلي . ولأنهما كانا مُتعطشين للإرتواء من أجواء المدينة ، إقتحما المكان . ودخلا عبر بوّابته الحديدية إلى ممر ضيق يقود إلى بهو النادي !..
على طرفي الممر يقف أناسٌ بعضهم مُنتشٍ يُحيّي الوافدين إلى المكان بحرارة . وبعضهم الآخر يستعرض عضلاته ويُقطب حاجبيه للإستقواء على الضعفاء من الوافدين . وآخرين يحضنون بعضهم البعض وتلتحم أجسادهم ببعضها البعض !..
وصلا إلى البهو ، وقابلتهما سيدة آسرة العينين غطت رأسها بوشاح بُنيٍّ مُزركش ، جالسة بثبات وثقة على كرسي عالي قبالة الباب مُباشرة . فاستدارا يمينا وقابلهما مشرب النادي . حيث تجلس شابة سمراء يافعة ، تضع قبعة بيضاء ، وحول عنقها عقد أبيض . وأمامها كأس نصف ممتلئ !..
فجابت أعينهما المكان ، فأبصرا شابا يضع نظارات سوداء ، يرقص فوق إحدى الطاولات بجنون . وعلى ركنٍ تتكئ سيدة ترتدي فستانا أزرقا شفافا يُظهر تفاصيل جسدها ، وتعبث بخيوطه المُتدلّية . وفي جهة أخرى رجلٌ في العقد الخامس ، قصير القامة ، قد إكتسح البياض سواد شعر لحيته ، يرتدي سترة زرقاء وقبعة وردية ، ويرقص بجنون أكثر من جنون الشاب !..
وبجانب أحد الأعمدة المُربعة تجلس إمرأة يافعة . تحك ذقنها الدقيق ، وكأن الشك إعتراها ، أو هلاوس الشراب أوهمتها بأن شعر الذقن قد نبت لها !..
وفي الجهة اليُسرى للمشرب يجلس رجلان . ينظران بإمعانٍ إلى أرضية المشرب العتيقة والمُتشققة تحت أرجل الرّاقصين . ولا يرفعان رأسيهما كالصنمين !.. وبمحاذاتهما عاشِقٌ يُمسك بخصر معشوقته . وكهلٌ مُتجهّمٌ ينظر إليهما بحزن !..
تبادلا النظرات ، وابتسما . وخرجا وقد زاد سكرهما بعشق بعضما ، وبأجواء السّكارى تلك ، واستقبلتهما عند باب النادي موسيقاهما ، وتراقصا على أنغامها عائدَين إلى القرية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
... | 27 . 05 . 2011
    ( من وحي سحر أفريقيا )



السبت، 21 مايو 2011

من وحـي (الصّيصان) ؟!

أيها المُتلبّس بالظلام
قد خرجنا إلى النور ،
منذ زمن !..
وبتنا نستطيع الفصلَ
بين الأبيض والأسودِ ،
من الألوان !..
...
أيها المُتوشّح بالسّوادِ
والمُتسلق على ظهور
الفرسان ..
لسنا هنا من أجل الألقاب
ولا نرضى أن نكون لغيرِ
الحق فرسان !..
...
أيها المُشكك في نوايانا
هل لديك على ما تقول
مِن بيان ؟!..
أم أن أثرنا في نفسك
قوي ، سبّب لك حالة
مِن النكران ؟!..
...
أيها العابث بالكلمات
والمُحترف في اللف
وفي الدّوران ..
لسنا هنا للعب الغُميضة
على حساب قضايا الأمة
والأوطان !..
ولسنا هنا للعبث بالكلمات
ولا للإفتراء ، والكذب
والبُهتان !..
لأننا لسنا كُتّابا للدواوين الملكية
ولسنا من شعراء بلاط
السلطان !..
...
أيها الفارس الأسود
صاحب القلم الأسود
والصّولجان ..
سلكتَ شِعابا غير الشعاب
ووادٍ عميقٍ غير كلّ
الوديان !..
...
أيها المُترف قد سبقناكَ
إليه ، وزهدنا في الدّنيا
لوجه الرّحمان ..
أتنفش ريشك علينا
ونحن إذ كنتَ أنت بيضة
كنا صيصان ؟!..
وحين خرج لك المنقار
 كنا قد تعلمنا التعاطف
  حتى مع الدّيدان !..
...
أيها السّهم أنت ترتمي
في الزمن الخطأ ..
لأننا لم نعُد نتزاحمُ
من أجل المكان !..
فالكُلّ جُزءٌ من الكون و الوجود
والكُلّ زاوية ، ورُكنٌ
مِن الأركان !..
...
أيها الآثم تب عن تلك التصورات
والتخمينات ، وتب عن تلك
الظنون !..
فما لنا نوقٌ ولا جِمالٌ في التسويف
والتلاعب بالعواطف
والأذهان !.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاج الديــن | 21 . 05 . 2011 


 

الجمعة، 31 ديسمبر 2010

أبجدية التغييـر !

لاننفك من إقامة طقوس التمني على عتبات كل عام جديد ، وتحميل نسائمه زفراتٍ من أنفاسنا الحالمة .. وعلى تلك العتبات أيضا تتهاوى أماني العام المنصرم التي لم تر النور ولم تولد .. لكننا لا نستسلم أبدا لإنتكاسة الحلم المؤجل أو الفقيد .. لأن الأحلام ماكانت الحياة ستظل تولد !..
المسألة ليست قانونية فحسب ، مسألة الوقوف على حدود العامين : الماضي والقادم ، ولا هي سنة متواترة ، بقدر ما هي فاصلة في حياة كل إنسان ، تتيح له الوقوف مع ذاته ، والتدقيق في حساباته الأخلاقية ، ومراجعة ميزانيته من الحسنات والسيئات !.. لأن تلك الميزانية وتلك الحسابات هما ما يحددان مسار المؤشرات في حياة الإنسان نحو الصعود أو النزول ، بالتالي نحوالنجاح أو الفشل!.. فتخيل معي ماذا يحدث لدولة لا تعيد تقييم ميزانيتها ولا تراجع حساباتها ؟! .. لاشك أنها ستغرق في الفوضى وستهوي إلى الحضيض ! ..
الإنسان يحب التغيير لكنه لا يعمل من أجل إحداثه ، كما أنه لا يضع خططا وإستراتيجيات لمستقبله رغم سماعه لأجراس العالم التي تدق مع بداية كل عام ، معلنة عن إستحقاقات أوإخفاقات لحقبة لن تعود ، لكنها تترك أثرها الزمني والمعنوي ! ..
قبل خمس سنوات كنت إنسانا فاشلا بكل ماتحمله الكلمة من معنى ، رغم إمكاناتي التي كان يعترف بها من حولي ، ونبوءاتهم لي بمستقبل مشرق ، وأذكر فترة إشتدت فيها أزمتي النفسية ، فرميت بالكتب والدفاترعرض الحائط ، وظل والدي يلح عليّ ، ويعدني بمنحي مفتاح سيارته هدية ، لو أنهيت دراستي ، أما أمي فلم تطق صبرا فأمسكت بيدي وهرولت بي إلى أحد المشائخ ليرقيني لإعتقادها بأني مصاب بالعين ، أوبمس جني أو شيطاني .. لكنني لم أذعن ولم أغير رأيي ! .. وتنقلت بعد تطليقي لمقاعد الدراسة من عمل لآخر ، وما حالفني الحظ في جمع درهم ولادينار ، واستمر حالي على ذلك حتى نادى واجب الخدمة الوطنية ، فالتحقت بالجيش ، وهناك كتبت مذكراتي وعنونتها بـ (مذكرات رجل فاشل!) ، لكن قائد الوحدة صادرها مني أثناء التفتيش النهائي قبل تسريحي !.. لم يتغير الوضع كثيرا بعد خروجي من الجيش ، لكنني تعلمت من تلك المرحلة أشياء مهمة لإعدادي كرجل حقيقي في معترك الحياة ، وكان أهمها (الإلتزام) ! .. الإلتزام هو ما جعلني أصرف من عمري ثلاث سنوات في شغل منصب مؤقت في إحدى المؤسسات التعليمية ، وفي تلك الأجواء عادت إليّ الرغبة في التقدم بحياتي إلى الأمام ، لكن كان علي العودة إلى حيث توقفت ! .. فأكملت دراستي حتى حصلت على شهادة الدراسات العليا ، وعدت إلى زوايا البطالة متأبطا شهادتي كغيري من ملايين الخريجين ، لكن تسكعي الآن أصبح له معنى ، عكس ماكان عليه في الماضي ، وحين كنت أتخبط في الحياة دون هدف !.. يمضي بعدها عام على تخرجي ولم أفلح في جمع درهم ولا دينار ، وفي النهاية قام أحد أقاربي بزيارتي ، بعدما كان غائبا عن مدينتنا لفترة طويلة ، وقال لي بالحرف الواحد :( من العار أن يبلغ الإنسان سن الثلاثين وماحقق في حياته شيئا رغم إمكاناته ماشاء الله) ! .. فكانت تلك العبارة شرارة أطلقت إنذار الإستنفار في حياتي ، لأنني كنت حينها في السابعة والعشرين من عمري ، أي بقيت ثلاث سنوات على الثلاثين ! .. فقمت بخطوة جريئة وأعلنت نيتي في الزواج وأنا بطال ، فتحقق ذلك في نفس العام 2008 .. ولو سألني أحدهم كيف تزوجت بطالا ، والشباب ما عزف عن الزواج إلا بسبب تكاليفه الباهضة والمغالى فيها؟! .. فسأجيب : قطع الله وعدا على نفسه بمد يد العون لثلاثة أصناف من الناس : الرجل الطالب للنكاح قصد الإستعفاف ، والرجل الخارج في سبيله ، والرجل الحاج إلى بيته الحرام .. إجعل سببا لمعونة الله وستتحقق .. ولا تكفي النوايا إذا لم تكن معها حركة ولو بسيطة وشريفة وفعالة ، ترتكز على الدقة والدراسة الدورية ، كما تحتاج إلى القليل من العزم ، والكثير من الإستقامة لنيل التوفيق .. تزوجت وبعد أسبوع بالضبط ، جاءني إستدعاء لإجتياز الإختبار المهني لتخصصي على مستوى مقاطعتي ، واجتزت الإختبار بنجاح ، لأعود إلى زوجتي موظفا بعد أن كنت بطالا ، وتكتمل فرحتنا !.. زوجتي إنسانة صالحة (زاد الله في صلاحها) تفهمت جموحي منذ بدايات تعارفنا ، ورأت أفق طموحاتي ، ودفعتني لبلوغ كل ذلك .. فمدني أحد أصدقائي الناجح جدا في حياته بخطة بسيطة لكنها أيضا فعالة جدا ، وقال لي : أعد تقييم حياتك كل خمس سنوات .. لا ليس كل خمس سنوات .. بسّطها واجعلها كل عام .. كل عام راجع حساباتك جميعا ، وانظر إذا ما كنت قد أضفت إلى حياتك شيئا .. وإذا لم تفعل فحاول أن تضيف إليها شيئا ذا قيمة منذ الآن) .. طبقت الخطة ، وبدأت أتلمس نجاحها بنفسي : ففي عام 2008 أضفت إلى حياتي زوجة رقيقة ووظيفة راقية .. وفي العام 2009 أضفت إليها ـ بفضل الله وتوفيقه ـ فلذة كبدي (آية) .. وانصب إهتمامي على رعاية وملاعبة ضيفتنا العزيزة طيلة ذاك العام .. أما في العام المنصرم 2010 فقد إفتتحت مؤسستي الخاصة بمدخراتي طيلة العامين ، وحلم المؤسسة هذا كان السبب الرئيس في تركي لمقاعد الدراسة ذاك العام الذي صُدم فيه كل من حولي وأولهم والداي (حفظهما الله وأطال في عمرهما) .. أما العام المقبل 2011 فإضافتي ستكون ـ بمشيئة الله ـ إحراز ترتيب جيد على لائحة رجال الأعمال الأكثر نجاحا بالمنطقة ! ..
قد يبدوا تركيزي على المقياس المادي للنجاح إهمالا للجانب الروحي ، وهذا غير صحيح ، لأن توفيق الله لايكون إلا بسلوك سبل الإستقامة الظاهرة والباطنة ، الظاهرة في المعاملة الحسنة لمن حولنا ، والبعد عن سبل الحرام جميعا ، وبالإلتزام والإستمرارية ، والباطنة بحسن الظن بالله وبالناس ، وبحسن التوكل وباليقين ، وبنقاء القلب من الطمع والجشع ، ومن حسد العباد على ما أعطاهم الله .. فليدعوا الإنسان دوما من أعطاهم أن يعطيه ! .. فالنجاح المادي والمعنوي أو الروحي متلازمان ولا يقومان إلا ببعضهما البعض ..
بهذه الخطة إستطعت أن أقلب حياتي رأسا على عقب ، لكن ليس بفوضوية ، بل بوصفة بسيطة وهي أن أحاول إضافة شيء إيجابي إلى حياتي كل عام ، في رحلة الإرتقاء المادي والروحي .. وهي من البساطة بمكان أكاد أجزم أنها ستنجح مع كل إن سان طموح بمشروعية أخلاقية ، لأن التغيير يبدأ دوما من داخل الإنسان ، وبداية كل عام تصلح لأن تكون إنطلاقة وبداية لذلك التغيير.
كل عام وكل الإخوة والأحبة في كل مكان بألف خير وسعادة.
ــــ
تاج الديــن : 31 ـ 12 ـ 2010