أخيرا تحرك الشارع الجزائري ، وانتفض في وجه السياسات الحكومية الإعتباطية .. وأخيرا إستشعر المواطن الجزائري حجم الخطر المحدق به ، وبمصيره المجهول في ظل التيارات (البارونية) التي تتجاذبه بين عملة لايسمن سعر صرفها في الأسوق الجزائرية ولا يغني من جوع ، وبين أجور لاتكفي لسد الفواتير ولا لسد الرمق ، وبين أسعار السلع الغذائية الملتهبة ، التي لاتكلف الحكومة نفسها حتى عناء مراقبتها ، فكيف بدعمها ؟! ..
إن إرتفاع الأسعار الغذائية ليس مفاجئا للحكومة الجزائرية على الأقل ، لأن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) حذرت مؤخرا من أزمة إرتفاع الأسعار عالميا ، وأكدت أن تأثيراتها السلبية ستظهر على البلدان النامية خصوصا ، ولم يتبادر إلى أذهان الجزائريين أنهم سيكونون أول ضحاياها ، ولهم كل الحق في تأجيل الكابوس المحتوم ولو إلى حين ، بالعودة إلى عدة معطيات منها أن الجزائر من أكبر الدول المصدرة للنفط والغاز الطبيعي ، ومنها أيضا أن إحتياطي صرف العملة يصل إلى 150 مليار دولار ، إضافة إلى الإمكانات الطبيعية الهائلة ، كلها معطيات تؤهل الجزائر لأن تكون قوة إقتصادية في المنطقة .. فما الذي جعل الأزمة التي تنبأت بها منظمة التغذية تطرق أبواب الجزائر مبكرا إذن ؟! ..
في الواقع أزمة الجزائر ليست وليدة الأمس القريب ، الذي خرج فيه الجزائريون من عدة ولايات كالجلفة بالجنوب ، وتيبازة والبليدة والجزائر العاصمة بالوسط ، وكذا وهران بالغرب ، منددين بالغلاء الفاحش للسلع الضرورية .. بل هي أزمة عميقة وليدة الفساد الإداري المستشري في جميع مؤسسات الدولة منذ الإستقلال سنة 1962 ، حتى إن أحد الزعماء العرب قال إنه محتار في أمر الجزائر التي تنهب خيراتها منذ أن إستقلت لكنها لاتزال واقفة ولا تزال بخير ! .. لكن ما خفي على الزعيم كان أعظم ، ولا يشعر به إلا المواطن الجزائري المكتوي بنارين : نار الوطنية التي تحرقه بالتهميش والفقر المدقع ، ونار غلاء المعيشة الذي حاولت الحكومة إخفاءه بعدة حلول ترقيعية ، منها رفع الأجورالذي دخل حيز التنفيذ منذ مطلع العام المنصرم 2010 ، مع أن الواقع يقول إن تلك الزيادات تتزامن وزيادة في أسعار المواد الغذائية الضرورية على وجه التحديد كالحليب والسكر والدقيق ! .. أزمة الجزائر إذن ليست أزمة موارد أو سيولة نقدية أو أزمة إمكانات ، بل هي أزمة تسيير محضة ، لأن الحكومة قادرة على دعم الأسعار ، ولغة الأرقام هي الدليل على ذلك ! ..
وإنتفاضة الشارع الجزائري جاءت في وقت لاتزال فيه جراح الجارة الشقيقة تونس لم تندمل ، وفي وقت حساس ترتعد فيه فرائص كل الحكومات العربية ، خوفا من إنتقال (العدوى) إلى شعوبها ويقيموا الدنيا ولا يقعدونها ، إلا بعد أن يُنظر في مشاكلهم العالقة منذ عقود ، وما إرتفاع الأسعار إلا القطرة التي أفاضت الكأس الممتلئ أساسا ، بمشاكل السكن الغير لائق في بلد ترفع حكومته شعار ( سكن لكل مواطن ) .. ومشاكل البطالة المتفشية وسط الشريحة الشبانية الأكبر في المجتمع ، ما يدفع بالكثيرين منهم إلى إختيار الهجرة والغرق في عرض البحر ، على البقاء وانتظار حلول منعدمة أو مؤجلة !..
الدور جاء عليك يا حكومة الجزائر ، فما أنت فاعلة لمواجهة الغضب الشعبي ؟ .. هل تقمعين ؟ .. أم هل تستقيلين ؟ .. أم هل تعتبرين الأمر صفعة تفيقك من توهانك ؟ .. هذا ما ستسفر عنه الأيام المقبلة ، لأن الأزمات وحدها الكفيلة بإزاحة كل الأقنعة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاج الديـن : 06 . 01 . 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أترك تعليقا لو أردت