وجدت إستطلاع رأي في إحدى الصحف اليومية الجزائرية يقول : هل تعتقد أنه يمكن لثورة تونس ، مصر وليبيا أن تنتقل إلى الشارع الجزائري ؟! .. فقمت بالتصويت مباشرة بـ (لا) .. ليس لأنني أصوّر تلك الثورات كعدوى أو كوباء أو طوفان يجب الحد من إنتقاله من وطن عربي إلى آخر .. ولا لأن الشعب الجزائري يعيش في بحبوحة ورفاهية .. ولا لأن آثار النعمة بادية على الشارع الجزائري رغم ما حبا به الله الجزائر من خيرات ! .. بل لأن المحررين بالجرائد عموما يمارسون ما يشبه الإستخفاف بعقول القرّاء ، وهم يعتقدون أن مجرد تحكمهم بما يُنشر وما يُحظر لمخالفته لسياسات النشر التي باتت مفضوحة ، يجعل أقلامهم معصومة من الزلل وحتى من محدودية الطروح أحيانا ! ..
قمت بالتصويت بلا على إستطلاع الصحيفة ، لأن الثورة لايمكنها أن تقوم بذاتها ومن ثم تستنسخ نفسها على البلدان .. وبحسب مفهوم صاحب الإستطلاع إما ذاك وإما أن نقوم (باستعارة) الشعوب التونسية والمصرية والليبية لتقوم بثورتها مكاننا ! .. والأهم : ضد ماذا ؟! ..
فنحن في الجزائر لو قمنا بثورة ، فلن تكون يقينا ضد نظام بوتفليقة الذي كنا نهتف له قبل عامين فقط بملئ أفواهنا بطول العمر ، وبـ (عهدة ثالثة) وحتى عاشرة ، لو بقي من جسد الرجل ما يملأ به ثيابه الرسمية ! .. فنظام بوتفليقة ليس أكثر من جزء من منظومة بارونية متكاملة يديرها الجنرالات ! .. فالجنرالات في الجزائر هم أصحاب القرار الفعلي في كل شؤون الدولة ، وهم من يُجلِسون من شاؤوا على الكرسي ، وهم من ينقلبون ضد كل من يحاول إزاحة الغطاء عن فسادهم وإنتهاكاتهم كما فعلوا مع المرحوم محمد بوضياف قبل ثماني عشرة سنة ، والذي توعد بقطع رؤوس الفساد فقطعوا له رأسه قبل أن يفعل ذلك ! .. فبوضياف كان رجل سلاح ولا علاقة له بالسياسة ومستنقعاتها ، لذلك راح ضحية صراحته وشفافيته ونزاهته الثورية ! ..
الجنرالات هم مَن أشعلوا نار الفتنة في الجزائر قبل ثلاثين سنة ، حين رفضوا الإعتراف بنتائج الإنتخابات التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالأغلبية .. وهم أبطال الرواية الدموية الشهيرة لأحد الضباط المنشقين عن منظومتهم بعنوان (مّن يقتل مَن) ؟! .. والتي وصف فيها وحشيتهم في إبادة وذبح قرى ومداشر بأكملها ، فقط لتبقى الجزائر رهن سطوتهم ! ..
إذا كنا سننتظر الدعم ممن سبقونا ، فسنطلب من الإخوة التونسيين أن يجلبوا معهم رئيس أركان جيشهم الطيب الذي كان يُطيّب خواطرهم في أشد مراحل ثورتهم حرجا ! .. وسنطلب من الإخوة المصريين أن يجلبوا معهم المشير طنطاوي الذي كان ينزل إلى ميدان التحرير ويرفع من معنوياتهم بإلقاء التحية عليهم ! .. كما سنطلب من الإخوة الليبيين أن يجلبوا معهم عبدالفتاح يونس الذي إنشق عن رفيق نضاله الثوري ، وقائده العظيم ، وانضم إلى صفوف الشعب البسيط والمقهور! ..
وسنطلب منهم جميعا بعدها أن يعذرونا على الإستعانة بهم في وجه جيشنا ! .. لأن جيشنا لايشبه أيا من جيوشهم التي يلتقطون الصور التذكارية مع أفرادها ، ويعانقونهم ويقبلونهم ، ويخربشون على دباباتهم دون أن تُمحى خربشاتهم ! .. فجيشنا نحن هو مركزية الدولة منذ تسعٍ وأربعين سنة ، والجهاز الرئيسي في عملية إنتقاء الواجهة المدنية للحكم في الجزائر ، ومن الضروري أن يحرص الشعب الجزائري على مكتسبات مرحلة بوتفليقة الرئاسية ، لأنها تاريخية بالمقارنة مع مخلفات العشرية السوداء من تسعينات القرن الماضي .. فالأمن والإستقرار وحدهما يعتبران إنجازا ، أما قانون الوئام المدني الذي أقرّه الرجل فقد حقن دماء الجزائريين ، وهي كلها مجهودات تحسب لنظامه لأنه إفتكها بالحنكة والخبرة والدبلوماسية من مؤسسة الجيش اليابسة والمتحجرة ! ..
ففي الجزائر : الشعب يريد إسقاط الجيش ! .. ولا يمكن إستنساخ هذا المطلب في أي وطن عربي آخر ، رغم أن أغلب الأنظمة العربية ديكتاتورية لكنها ليست عسكرية كما في الجزائر وموريتانيا .. كما لايمكن إستنساخ المطالب الأخرى لبقية الشعوب التي يريد بعضها ( إصلاح النظام) ، ويريد بعضها الآخر ( إسقاط النظام ) ، فيما لا يزال ينادي بعضها الآخر (يعيش النظام) ! ..
ولو كان نص الإستطلاع على الشكل الآتي : هل تعتقد أن ما حدث في تونس ومصر وليبيا يمكن أن يحدث في الشارع الجزائري ؟! .. كنت سأجيب مباشرة بـ (نعم) ، لأن الحدث هو الثورة وهو ثابت ، أما المتغير فهو المطلب والثوار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاج الديـن | 07 . 03 . 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أترك تعليقا لو أردت