بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 8 مارس 2011

الأقلام المكسورة لاتصنع وطنا !

يوصي خبراء التنمية البشرية بضرورة تخلي الإنسان عن صفتي (اللوم والعتاب) على ما مضى ، حتى يتقدم بعلاقاته الشخصية والمهنية والإجتماعية ويطورها ، على إعتبار أن (ما فات مات) ، والعتاب واللوم لايمكنهما إعادة شريط الأحداث إلى الخلف وتغيير ما ترتب عن ذلك من نتائج ! ..
وعلى هذا الأساس ينبغي على كل متشائم وإنهزامي محسوب على الكلمة والفكر ، أن يكف قلمه عن الشعوب الثائرة ، لأنها معذورة لذات السبب أن ما حصل قد حصل ، ولا يُجدي تعنيفها ولا تقزيمها ولا التقليل من شأن ثوراتها في شيء ، لأنها أولا وصلت في حراكها إلى نقاط اللاعودة ، وثانيا لأن أوضاعها في ظل الأنظمة البائدة والفاسدة لم تكن أفضل في أي شيء ! ..
فالشعب التونسي ـ وبوصفه المُلهم الأول للفكر التحرري العربي ـ لاشك أنه يشعر بالفرق الشاسع بين ظلمات نظام بن علي البوليس الذي أذاقهم الأمرّين ، وبين المرحلة الإنتقالية الحالية التي تم فيها حلّ ما يسمى (البوليس السياسي) ، وهو جهاز سادي يُعرف من إسمه ، ومجرد التخلص من مخلفات النظام البائد ، وقطع أذناب أجهزته القمعية ، يُعد نسيما عليلا من نسائم تونس الحرة ، تونس التي أصبح شعبها ينام قريرالعين ، ويشعر بالمسؤولية التلقائية تجاه كل شيء في وطنه ! .. وعلى نفس النهج تقريبا سار الشعب المصري ، وطالب أيضا بحل ما يسمى (أمن الدولة) ، والمصريين أدرى الناس بقذارة هذا الجهاز ! ..أما الليبيين فهم يسبحون بحمد الله الذي أماط لهم اللثام عن خسة ودناءة ودجل القذافي ، قبل أن يوصيهم بجعل ضريحه مزارا تُنال به البركات بعد مماته ، ومن كتابه الأخضر لوحا محفوظا يُتلى ويُروى عنه ! .. الله يحب شعب ليبيا لأنه أسقط  له القناع عن وجه القذافي الحقيقي والأكثر بشاعة .. الوجه الدموي الذي ما جعلته سنين الهُيام الكاذب الأربعين ـ التي أمضاها ينافق شعبه ويدعي حبه ـ يرق ويلين ، ولا أن يمنع نفسه من تمزيقهم ! ..
أما حكاية الأقلام المكسورة فهي من وحي شعار يرفعه الصحفيين والإعلاميين في الأردن ، يُطالبون فيه الدولة بتحرير السلطة الرابعة من هيمنتها وتدخلاتها ، وبتقصير يدها الطولى عن المؤسسات الإعلامية .. فكتبوا : (الأقلام المكسورة لاتصنع وطنا) ! .. ووالله نجحوا في إيصال رسالتهم الواضحة جدا ، والمختصرة جدا ، والحكيمة جدا جدا ! ..
لأن أقلام السلطة ليسوا أكثر من أبواق ، وأقلام الفضائح والدسائس ليسوا أكثر مَنافِض ، وأقلام ثقافة الهزيمة ليسوا أكثر من عملاء ! .. ووحدها الأقلام الحرة والصادقة مَن تصنع وطنا يولد من رحم الكلمة والحقيقة ! ..
فتلك الأقلام لاتدرك يقينا أن الحياة برمّتها مُخاطرة ، وأن شمس الحرية أمل وحق إنساني يستحق المخاطرة ، ( فما نيل المطالب بالتمني .. ولكن تؤخذ الدنيا غلابا) .. فالشعب التونسي كما المصري والليبي لو أجهضوا اليوم أنظمة منحوها مايكفي من الوقت ـ وأكثرـ للنهوض بأوطانهم ففشلت ، وزادت على فشلها ديكتاتوريتها وتجبرها ، فهم يستحقون تلك الفرصة ، حتى ولو كانت فوضوية ، وتكبدوا خلالها خسائر فادحة ، وحتى لو إرتكبوا فيها الأخطاء ، لأنهم من أخطائهم سيتعلمون ، وسيبنون أوطانهم من أول وجديد ، تماما كمن يقوم بترميمات في بيته بين الحين والآخر ، وهي ترميمات صحية ، لأنها في النهاية من أجل تطوير الوطن وتحسينه ! .
بعد كل هذا هل يبقى عذر لمعاتبة تلك الشعوب على إنتفاضاتها ضد حكام أخذوا ونهبوا أكثر مما أعطوا ومنحوا ، وجاروا وتغطرسوا أكثر مما عدِلوا وأنصفوا ، وظلموا وخانوا أكثر مما أوفوا والتزموا ؟! ..
لا أعتقد ذلك شخصيا ، لأن قلمي ليس مكسورا ولله الحمد من قبل ومن بعد .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاج الديـن | 08 . 03 . 2011



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أترك تعليقا لو أردت