البشرُ في هذه الحياة أصناف ، لكن أسوأ صنف برأيي هم أولئك الذين يتقدمون بإرادات غيرهم !.. وأولئك المتاجرون بآمال الفئات الشعبية المستضعفة من سياسيين متعفنين بالأكاذيب ، ومتحزبين منافقين يقولون مالايفعلون حتى ولو أطلقوا العنان للحاهم وصبغوها ، وحتى لو تفننوا في كيّ جباههم ، أوإعتكفوا في المساجد ، أوإدّعوا الزهد والتقوى والورع ! ..
أسوأ تركيبة بشرية هي تلك التي تتربص بالأزمات الإجتماعية ، والهبّات الشعبية المشروعة لتتبناها ، فقط من أجل الوقوف في الواجهة ، ونسب تلك الجهود وحتى دماء الضحايا إليها ، في مشهد مقزز للإنتهازية والتسلق الوضيع لنيل الحظوة لدى النظم ، والإستولاء على المشهد الإعلامي لتلك الإنتفاضات والتحركات الشعبية ! ..
أسوأ الأحزاب والحركات هي تلك البراغماتية من ذوات الوجهين القبيحين ، وذوات الإزدواجية المقيتة ، لأنها تستظل بأوراق النظم الوارفة ، وتحتمي بأجنحتها ساعة هبوب زوابع التغيير الحقيقية والملموسة والواقعية ، لاالوهمية التي تكتفي برفع شعاراتها ! .. ولأنها تقتات على السّحت بالمتاجرة بآمال وآلام الشعوب ، والمساومة بها في أسواق السياسة ، فقط لتملأ أرصدتها الحزبية بالملايين التي يمكن توجيهها إلى التنمية العامة ، لو كانت دعواتها وصرخاتها في مكبرات الأصوات صادقة ، ولو كانت فعلا تعارض السياسات التعسفية للنظم ! ..
أسوأ الشجعان هم : لص يظل يتخفى بالظلام الدامس أثناء أدائه لشعائره الغاصبة والجبانة ، فلا يستطيع مقاومة إغراء ضوء النهار للإندساس في أوساط الجموع المنادية بالكرامة ، وبفرصٍ أكبرللكسب الشريف ، فيغير مسار الإنتفاضة إلى فوضى عارمة تتيح له السرقة والنهب والتخريب ! .. وإتحاد عام كإتحاد الشغل الذي يتكسب بتملق السلطات التنفيذية ، لتغدق على مسؤوليه بالعلاوات والمكافآت (لمجهوداتهم الجبارة) في تخدير الشعوب ، والسيطرة عليها لتظل خاضعة يسودها الهوان والتبطل والفقر ، ليسهل طمرها في الحضيض ! .. وسياسي (معارض) يحمل بيديه بوقين ينادي بأحدهما أولياء نعمته أن يلقوا له ببعض الفتات ، وينادي بالآخر إلى الخروج على ذات الأولياء لتعزيز صورة التعددية الوهمية ، ولإطفاء صبغة الشرعية على لاشرعية النظم الديكتاتورية ؟! ..
أمّا والحياة مليئة بالأحداث التراجيدية ، فهي تترك إنطباعات مؤسفة عن فئات إجتماعية وسياسية تتكسّب بالإستثمار في الأزمات الشعبية ، حين تنتظر هبّة الشارع لتحاول التحكم في مسارها وتوجيهها ، أو إستغلال تلك الحركية لتنفيذ مخططات قذرة لاتساوي شيئا أمام المطلب الأخلاقي الأمثل في العيش الكريم ! .. تلك الفئات أفرزت أزمتي تونس والجزائر الأخيرتين نماذج منها ، ففي تونس التي عاشت أحداثا مأساوية ـ سالت فيها دماء الأبرياء الذين إنتفضوا وكسروا صمتهم عن أوضاعهم اللاإنسانية ، وقاموا بزلزلة الأرض تحت أقدام سجّانيهم ومُجوّعيهم ، ومُهمّشيهم ـ ما نطق الإتحاد العام للشغل إلا متأخرا لينطبق عليه المثل القائل : ( سكت دهرا ونطق كفرا) ! .. أما في الجزائر فالحبكة يعرفها جيدا مؤلفوا سيناريو المشهد الجزائري قبل عشرين عاما ، والتي مضى نصفها الأول عابقا بروائح الموت والدماء ! .. سيناريو الجزائر الذي كان بطليه الأوحدين هما الحكومة والجبهة الإسلامية للإنقاذ ، والضحايا فيه هم ملايين المواطنين ، منهم القتلى ، ومنهم المفقودين ، ومنهم الغرقى ، ومنهم المغتالين ، ومنهم الناجون بشق الأنفس ليتخبطوا بعد العشرية السوداء في سواد المعيشة ! .. فالجبهة الإسلامية تعتبر نفسها حركة معارضة ، لكنها مستكينة تمام الإستكانة لأوامر الحكومة ومقرراتها (الوضعية) بحظرها ، وتكميم أفواه قيادييها ، وحتى تهجيرهم بالقسر ونفيهم ، أوالزج بهم تحت طائلة الأحكام المستدامة بالإقامات الجبرية ، وبالكاد يشعربوجودهم أحد ، لكنهم يتحينون الفرص أثناء سباتهم ذاك للإنقضاض على آمال وتطلعات المواطنين ومحاولة تبنيها عنوة ، للإستفراد بدائرة الضوء التي تُظهر مدى محدوية الطرح وضيق الأفق ، إذ كيف يعقل أن يتسمى قادة الجبهة (الإسلامية) للإنقاذ بالمشائخ ، وهم خرسى عن الحق ، رغم علمهم علم اليقين بالحديث الشريف القائل : ( الساكت عن الحق شيطان أخرس) ؟! .. وبالنزول إلى الشارع الجزائري وتكبير صورة المشهد ، نرى الفوضى ولاشرعية الطريقة والوسيلة المتبعة من قِبل أغلب الجماهير في المطالبة بحقوقهم الشرعية ، لنتبين هول الفاجعة (الثقافية) في أوساط المواطنين ، الذين لايفرقون بين الأخضر واليابس ، ولا بين مسجد وخمّارة ، ولا بين مستشفى وملهى ، لينطبق عليهم مثلهم الشعبي القائل : ( جا يسعى ودّر تسعة ) ! ..
هذه الأصناف الثلاثة من البشر هم من أثبتوا بما لايدعوا للشك ، أن هناك فعلا من يستثمر في أزمات غيره من الأغلبية ، والتقوّت منها ، وإظهار جانبه الأكثر جشعا وأنانية ، في محاولاته البائسة لطمس التوجهات الحقيقية لأصحاب المنطلق وأصحاب المبادرة ! .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاج الديـن : 13 . 01 . 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أترك تعليقا لو أردت