الشعب الفلسطيني هو أكثر الشعوب العربية غزارةً للأحلام ! .. وأكثرها توقا للتحليق عاليا في فضاءات الحرية الشاسعة ! .. وأكثرها أملاً بربيعٍ يستنشق فيه عبير التحرر من أطول شتاء ، وأكثر أشكال الإستعمار عنادا وتعنتا وأصولية على وجه الأرض ! .. لذلك إستجمع الشعب قِواه ـ بعد أن رآى بارقة الأمل تلوح من أرجاء الوطن العربي في شكل إنتفاضاتٍ شعبية مناهضة للظلم وللإضطهاد وللفساد ، ومُنادية بالإصلاح وبوحدة الصف ـ وصرّح هو الآخر برغبته في تغيير أوضاعه وإصلاحها على غرار باقي إخوانه ، وضمن نطاق ما يبقيه له الإحتلال من شتات ! ..
فخرج الشعب إلى الشارع ونادى في الفصائل المتنازعة على سلطة الوطن الممزق ، والمُستثمرة في آلام ودماء الشعب ، أن تتجاوز أهدافها الضيقة ، وتنهي خلافاتها وتجاذباتها الأنانية ، وتلتفت إلى (مصلحة الوطن) التي تفرض بإسمها حركة حماس الوصاية على مدينة غزة ، وحركة فتح على مدينة رام الله .. وما بين المدينتين والحركتين يستمرّ نزيف وطن ، ويتوقف مصير شعب ! ..
الشعب الفلسطيني ليس بحاجة إلى دوائر حكومية رسمية ، لعلمه أن أي سلطة ـ ومهما كانت صالحة وملائكية ـ تبقى منقوصة مالم يُحرّر كل شبر من تراب فلسطين ! .. وتحرير فلسطين لا يكون على مستوى الدوائر الرسمية بل على مستوى الشارع ! .. فالشعب الفلسطيني لايريد رئيسا بل يريد قائدا للميدان ! .. لذلك كان مطلبه الرئيسي الذي نادى به هو (وحدة الصف الفلسطيني) من أجل الوطن الممزق ، وبعيدا عن أي حسابات ومضاربات سياسية وحزبية ! ..
لم يطل إنتظار الشعب ليتحقق مطلبه (أو هكذا إعتقدنا جميعا) ، على عكس مطلب الحرية الأزلي أو حتى السلام مع الجار الغاصب .. لكن لابأس ، فصفاء الأجواء بين الإخوة فيه بعض المواساة والعزاء لهم في (سجن وطنهم) الكبير ! .. قلت ، تحقق مطلب الشعب في محاولة درأ الصّدع بين فتح وحماس ، بدعوة سريعة من محمود عباس للحوار ! .. وبدا الرجل جادا ومتحمسا لمبادرته ، وأعلن عن عزمه على زيارة مدينة غزة للقاء قادة حماس ، والجلوس معهم على طاولة حوار واحدة ، وفي بيتهم ! ..
وفي الجانب الآخر .. وفي غزة .. المدينة تشهد هدوءا نسبيا حتى تلك اللحظة ، وقادة حماس في سبات عميق وهم شبه راضون عما بَسطوه من سيطرة ، وما جمعوه من تبرعات (بإسم القضية) ، ولا يبدوا عليهم الإكتراث لا بأوضاع القطاع ولا بمسار المقاومة !.. وقد بدا التفاجُؤ والبرود واضحا على ملامحهم من دعوات الحوار الموجّهة إليهم من طرف قيادة فتح ، وجاءت تصريحاتهم إشتراطية مُتطلّبة ، وأقرب إلى العرقلة المبكّرة منها إلى قبولٍ دون مشروطٍ بوضع حدّ للنزاع الطفولي بينهما !..
وبعد ذلك التواصل الإعلامي الوجيز والقصير ، إستبشر الشعب الفلسطيني كما كل الأحرار في العالم خيرا بمبادرة (التقارب الفلسطيني الفلسطيني) ، وانتظرنا أن تفي حماس بوعدها للشعب في المقام الأول ، بتهييء الظروف والتحضير لزيارة عباس المرتقبة .. لكننا تفاجأنا بهدوء غزة وسكون أجوائها النسبي ، يتحولان إلى ضجيج قصفٍ مروحي وصاروخي إسرائيلي ! ..
ولم يُفاجئنا القصف الإسرائيلي بل فاجأنا توقيته ؟! ..
فهل هي محاولة من حماس لتعميق الهوة بينها وبين فتح ، بعد قبولها المزعوم بالحوار والتقارب والوحدة فيما بينهما ، ووضع خلافاتهما جانبا من أجل شعب فلسطين ؟! .. لذلك تقوم بإستفزاز إسرائيل بإطلاق الصواريخ ، فقط لتعكير الأجواء ، على إعتبار أن الذريعة الوحيدة التي تقدمها إسرائيل للمجتمع الدولي بعد كل حملة تدميرية على غزة ، هي أن حماس حركة إرهابية .. أما فتح في الضفة الأخرى فهي حليف (السلام الإفتراضي) و(ممثل الشعب الفلسطيني لدى الهيئات الأممية الرافضة لكل حوارات مع حركات محسوبة على الإرهاب والأصولية ، وهو ما تنصح به حلفائها أيضا ، وأبومازن حليف ولا يجوز له الإعتراف أساسا بمثل تلك الحركات فكيف بمجالستها على طاولة حوار واحدة ، أو مشاركتها في إتخاذ القرار ؟!) ... لتبقى القطيعة قائمة بين الحركتين ، ويبقى الشعب الفلسطيني ضائعا وحائرا وأسيرا بينهما ؟!..
أم أنّه سيناريو إسرائيلي معكوس ، بإجبار حركة حماس على الدخول في حرب ضدّها ، بالتالي نسف أيّ محاولات تهدئة داخلية بين الفصائل ، أو خارجية مع العدو الذي يرفض أن تتحد ضدّه الجهود والطاقات والإرادات الفلسطينية .. وإبقاء مبادرة وحدة الصف الفلسطيني حلما بعيد المنال تماما كحلم تحرير فلسطين .. وكل ذلك بإنتهاج سياسة (فرّق تسُد) ، لما تعلمه إسرائيل من (قوة الإتحاد) ، وما يشكله من تهديد لأمنها ومستقبلها ؟!..
وبين هذا السيناريو وذاك ، يبقى المواطن الفلسطيني هو الضحية في أيّ نزاع سياسي وأيّ تصفية عسكرية !.. ويبقى حلمه الأدنى أن يعيش عذابا أخف ـ تحت وطأة الإحتلال المعمّر ـ بوحدة صفه ، أما أقصى أمانيه وآماله وأحلامه أن يتحرر الأقصى الشريف وكل شبر من تراب فلسطين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاج الديـن | 09 . 04 . 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أترك تعليقا لو أردت