بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 9 مايو 2011

مصر أمّنا ومبدأ المعاملة بالمِثل !

في هذا الوقت الحرج الذي تمر به أمتنا العربية ، لابدّ لنا من وحدة الصّف وتكاتف الجهود على صعيد الأفراد وأيضا على صعيد الحكومات !.. وقد قدّم سكان المدن التونسية على الحدود الليبية ، نماذج رائعة للأثرة  في هذا الجانب رغم الفاقة وشظف العيش ، ورغم الخصاصة !..
فمَشاهد السّكان التونسيون وهم يفتحون بيوتهم لليبيين المُطاردين من قِبل قوات الطاغية القذافي ، ويقتسمون معهم مُؤنهم المتواضعة من الأغذية والأدوية وحليب الأطفال ، كلها مؤثرة لحدٍّ لايوصف !.. كما وتحوّلت تلك المناطق الحدودية إلى ما يشبه مدن الغرب الأمريكي ، وحين تشاهد قنوات الأخبار وهي تعرض مشاهد الكر والفرّ بين قوات الطاغية وبين الثوار ، وتلك المُطاردات بينهما للسيطرة على المعَابر بين ليبيا وتونس ، تكاد تجزم أنك أمام فيلم من أفلام العملاق (كلينت استود) في القرن الحادي والعشرين ، صُوّر بطريقة واقعية على أراضي عربية !.. والثوار الليبيين يجتازون الحدود إلى تونس بعرباتهم وأسلحتهم ، بل ويطلقون أحيانا حتى الأعيرة النارية في الهواء (على سبيل الإستعراض) !.. أمّا قوات الطاغية المعروفة بإنتهاكاتها فهي تطلق الصواريخ ،  ولا تبالي في قصفها العشوائي أقتلت ليبيا هاربا أم تونسيا تتعدّى على أمنه وعلى أراضيه !..
الليبي الهارب إلى تونس يعتبر نفسه في وطنه الثاني ، ويتصرّف بتلقائية ، ويشعر بالأمان .. والتونسي يعتبر الليبي أخاه وشقيقه المُطارَد من أرضه ووطنه ، ولا يعتبره ضيفا ، بل صاحب البيت ، وهو ما يفسر عدم إنزعاج قوى الأمن التونسية من دخول الثوار الليبيين المُدجّجين بالسلاح ، أو النظر إليهم بعين الرّيبة ، أو الإحساس بأنهم يشكلون خطرا على أمن تونس ومواطنيها ، أو تهديدا للسيادة التونسية .. وتصرّفات قوّات القذافي الجنونية هي ما يُقلق العالم بأجمعه وليس التونسيون فقط ، لأنها لاتعرف الشفقة والإنسانية ولا تعترف بأي قوانين سوى بتعليمات السّادي صاحب الكتاب الأخضر والتاريخ الأحمر الدّموي !..
التونسيون البُسطاء والكرام ، يُزودون الليبيين حتى بـ (صهاريج) البنزين ، رغم إفتقار تونس إلى آبار للنفط كما هو حال ليبيا !.. أليس الرّب رزاقا وكريم ؟!.. وما يضر تونس لو إقتسمت مخزونها المحدود من مياه الطاقة النفيسة مع ثوار ليبيا ؟.. وما ينفعها لو منعتها عنهم فماتوا وعاشت هي مِن بعدهم ؟!.. هذا هو المنطق السليم للمواطن التونسي الشهم ، الذي كان بإمكانه أن (يعامل الليبي بالمِثل) ويغلق في وجهه الحدود .. وكان بإمكانه تذكيره بخطاب الطاغية بعد سقوط نظام بن علي ، يوم هاجم الشعب التونسي بشراسة ، ويوم أنهى هجومه برصاصة (السّام على تونس) !..
كان بإمكان التونسي أن يمتنع عن تقديم أي دعم مادّي أوحتى معنوي لليبي ، لأن دعم ليبيا كان مقطوعا عن تونس أيام ثورتها ، بل وكان الموقف الرسمي الليبي مساندا للظالم بن علي ومناهضا لإرادة الشعب ، لذلك شدّد العقيد الطاغية حينها حراسة الحدود لمنع المُضطهَدين التونسيون من الهرب والفرار من سجنهم ، وإبقائهم تحت رحمة الرّاعي الظالم وكلابه !.. لكن التونسي لم يبخل على الليبي بشيء إنطلاقا من مبدأ ( وعاملهم بالتي هي أحسن) !.. فعلا ، فما ذنب الشعب الليبي إن كانت مواقف حكومته سلبية أو مُخزية تجاه شعب تونس في مراحل سابقة من محنته ، حتى يعامله اليوم في محنته بالمثل ؟!..
ومبدأ (المعاملة بالمِثل) هو ما طبّقته حكومة أمّنا مصر على الشعب الليبي (للأسف الشديد) ، وهو موقف مُستغرَب حقيقة من مصر وهي الكبيرة دوما في عيون العرب ، بحضارتها وتاريخها العريق وبمواقفها المدافعة عن قضايا الأمة !..
أليس غريبا أن تكون مواقف الكبار كمصر صغيرة وسلبية ، فيما تكون مواقف الصغار كتونس كبيرة وإيجابية وفعّالة ؟!..
أليس غريبا أمر مصر التي أتتنا منها بالأمس القريب فقط بشارة بإتفاق الإخوة الفلسطينيين الفرقاء ، والتي استبشارنا بأخذها لمكانها وموقعها الطبيعي كدولة كبرى مؤثرة وإيجابية في منطقتنا العربية ، فإذا بها تفاجؤنا اليوم بإغلاق حدودها في وجه النازحين الليبيين ، وتطالبهم بالحصول على تأشيرات لدخول أراضيها إنطلاقا من مبدأ (المعاملة بالمثل) ؟!..
ولم تحدد الحكومة المصرية بأي الأختام يجب أن تُدمغ التأشيرات وجوازات السفر ؟!.. أهي أختام حكومة الطاغية الذي تعاقب الشعب الليبي المضطهد والمُطارَد ، بسبب مواقفه السلبية والمتشدّدة السابقة أيام الثورة المصرية ، وقيامه بإغلاق الحدود بين البلدين ، وهي بالتالي تعترف به وبشرعية حكمه ؟!.. أم هي أختام المجلس الإنتقالي الذي لايزال يجلس كما بقية الشعب الليبي على صفيح ساخن ، بالتالي فهي تعاقب الشعب على ثورته ضد الطاغية ، تماما كما فعل الطاغية مع الشعب المصري خلال ثورته ضد نظام الطاغية مبارك ؟!..
ما هذه الشطحات ، والنطحات ، والخرابيط يا مصر ؟!.. بل وما هذه الإزدواجية في المواقف ، موقف داعم للوحدة والحرية ، وموقف ضدّهما ؟!.. وما هذا الكيل بالمكيالين المُوجه حصرا للشعب الليبي دون حكومته الظالمة والسّادية ؟!..
ما هذا يا كبير ؟!.. فما هكذا تورد الإبل يا مصر العروبة !.. وما هكذا يفعل الكرام !.. فأي معاملة بالمثل يستحقها الشعب الليبي الذي لم يكن يوما صاحب قرار فتح أو إغلاق الحدود ، أو المُخوّل بالحديث عن ليبيا الرّسمية ، فلماذا يُعاقب على ذنبٍ لم يرتكبه ؟!..
إذا كان هذا الموقف ـ يا أمّنا ـ مُعبّر عن مصر الثورة ضد الظلم والإضطهاد .. مصر الحق والعدل والمساواة ومصر النهضة ، فاسمحي لي بالقول إنه موقف مُخيّب ، لأننا ننتظر من مصر العظيمة ما هو أفضل من النعرات (السياسوية) التي يذهب ضحيتها الشعب الليبي البريء .. ننتظر من مصر أن تترفع عن معاقبة الشعب على ذنوب حكومته ، وأن تكون (ذكيّة) كما تونس ، خصوصا وأن محلّها من إعراب الجملة العربية يُجبرها على كسر الحصار عن شعب غزة شرقا ، وعلى رفع الغُبن والظلم عن الشعب الليبي الأعزل غربا !..
الخلاصة أن الشعب التونسي صادق وذكي ، لذلك ردّ الصاع لحكومة الطاغية صاعين ، بأن كافأ الشعب الليبي بترك الحدود مُشرعة أمامه ، لفك العزلة عنه ، ومقاسمته لقمة العيش الشحيحة المتاحة والمتوفرة ، وهو ما يغيظ الظالم ويؤلمه أشد الألم ، لأنه يُقوض مساعيه لإذلال شعبه ، وتجويعه وتعذيبه وقتله وفرض حصار عليه !..
فعلا أنت عظيمٌ يا شعب تونس !..
وفعلا أنت عملاقة يا تونس رغم ضآلة حجمك ، ومعطاءة رغم محدودية أراضيكِ ورغم شح المداخيل !.. كيف لا وأنتِ ولاّدة العملاق الصغير أبا القاسم الشابي رمز الإرادة في كل العصور !.. وصدقا أنتِ مطلع شمس الحرية على الأمة من مغرب الوطن العربي ياتونس !.. لذلك لانستغرب أن تكون مواقفك الرّسمية (النزيهة) أو الشعبية (الأصيلة) ، مفخرةً للعرب والأحرار !.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاج الديــن | 09 . 05 . 2011 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أترك تعليقا لو أردت