لم يمضي حتى أسبوعان على تقديم المملكة العربية السعودية ، لتحفتها الفنية وصرحها العلمي العملاق : (مدينة الأميرة نورة الجامعية) ـ أمام العالم ، حتى سقطت في فخ (إختبار مُفاجئ) من طالبة خرّيجة الجامعات الأمريكية ؟!.. ورغم أن المملكة لم تخفق في إجتياز الإختبار ، إلا أنها لم تنجح حتى الآن في إحتواء الموقف الذي قد ينسف كل جهودها ، في كسر الصورة النمطية عن (الرجل الشرقي) المُتغطرس ، الذي يقوم بسجن المرأة بالبيت أو خلف أسوار (البرقع والنقاب) ، و(سي السيد) الذي يُضيّق الخناق على المرأة ، ويحُدّ من تعليمها ، ويقف دوما في وجه طموحاتها !..
فالإختبار الذي فاجأ الرأي العام السعودي كان (تطبيقيا) ، لمواطنة شابة تدعى (منال الشريف) ، والتي قامت بقيادة سيّارتها في شوارع مدينة (الخُبر) التي تقيم بها !.. وقيادة المرأة للسيارة في المملكة العربية السعودية أمرٌ لم يُعرف حتى الآن ، لأيّ شيءٍ هو مُخالف ؟!.. أللشرع والدين ؟.. أم للعُرف والتقليد ؟.. المهم أنه مُخالف لشيءٍ ما لم تُحدد ماهيته بعد ؟!.. فالعلماء وأصحاب الفتاوى منقسمون في آرائهم .. فمنهم من يُجيز للمرأة قيادة سيارتها مالم تخالف الشرع والقانون ، ومنهم من يُحرّم عليها ذلك دفعا للأذى عنها ، ومنعا للإختلاط ، بحسب رأيهم ؟!..
أما منال (الجريئة) ، فهي لم تكن تعلم ، أنه ليس كل ماهو مصنف في خانة (دولي) كرخصة قيادتها ، ساري المفعول ومُعترف به في حدود مملكتها السعيدة !.. فجاءت تصريحاتها لصديقاتها أيضا جريئة تجاه ما أسمته (رجعية وتخلف) !..
وفي ظل (فوضى الفتاوى) تلك إنقسم المواطنون السعوديون ، ما بين مؤيّدٍ ومُعارض لعملية توقيف منال مِن قِبل قوّات (الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر) !.. فالمؤيدون يرون بأن منع المرأة من قيادة السيارة لمجرد أنها إمرأة ، يُقوض مزاعم الحكومة بتطوير رؤيتها ونظرتها للمرأة عبر إنفاق الملايير على مدينة كمدينة الأميرة نورة ، وهؤلاء يتساءلون : ما نفع مدينة على مساحة ثمانية ملايين متر مُربع ، ومكتبة عملاقة بخمسة ملايين كتاب ، وتقنيات للمواصلات والتواصل من آخر ما جادت به الثورة التكنولوجية المُعاصرة .. إذا كانت (الذهنيات) لاتزال رجعية ، تنظر إلى المرأة كالدمية ؟!.. ويتساءلون أيضا عن جدوى تعليم المرأة إذا كان مآل شهاداتها الأدراج ، والجدران ؟!.. وإذا كان مصير خبراتها الإندثار ؟!..
والنساء من بين هؤلاء ، يدعمن موقفهن بالقول : إن ركوبهن مع (سائق آسيوي) هو ما يُعد مظهر من مظاهر الإختلاط ، وهو ما يُنافي الشرع كذلك !.. وأكّدن على ضرورة السماح لهن بقيادة سيّاراتهن بأنفسهن ، مع قبولهن بالشروط التنظيمية والتشريعية من مثال (ضرورة ركوب محرم مع السائقة أثناء جلوسها خلف عجلة القيادة) !..
أمّا المُعارضون لفكرة قيادة المرأة لسيارتها ، فهم يرون بأن منال هي مجرد (ناكرة) لخير الحكومة السعودية التي درست على نفقتها ونالت شهادتها ـ وحتى رخصة قيادتها الدولية ـ على حسابها ، لتبدأ ـ بعد عودتها إلى أراضيها ـ في شن حملة ضد أعراف المنطقة وتقاليد سكانها ، وتبدأ بتسميم أفكار نساء المملكة بدعوتهن ـ عبر مواقع التواصل الإجتماعي ـ إلى الإحتشاد والتظاهر في السابع عشر من جوان المقبل ، من أجل المطالبة بحقهن في قيادة سياراتهن !.. وهؤلاء يتساءلون : لماذا لم ينكسر ذلك الحاجز إلا على أيدي منال التي تلقت تعليمها بالغرب ؟!.. وهؤلاء يتهمونها حتى بزعزعة الإستقرار !..
والرجال من هؤلاء ، يدعمون موقفهم بالقول : إن مزاعم المرأة بعدم جواز ركوبها مع (السائق الآسيوي) وعدم جواز دخوله إلى بيتها ، بوصفه رجلا أجنبيا ، يدحضه قبول النساء السعوديات بـ (الخادمات الآسيويات) رغم أن وصف (الأجنبي) ينطبق عليهن كذلك !.. ودعوا النساء إلى التخلي عن السائقين والخادمات في آن واحد ، إذا كان الدافع شرعيا فعلا !..
وما بين المؤيدين والمعارضين من العلماء ، والفقهاء ، وعامة الشعب ، يقف (الحكماء) الذين يستحضرون صورا من الأثر العقائدي للأمة الإسلامية ، بوصفه المرجع الأهم ، ويذكرون المتنازعين والمُختلفين في (تحليل أو تحريم) قيادة المرأة للسيارة بقصص النساء أيام الرسول الكريم الهادي المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وكيف كُن يمتطين الجياد ، والجمال ، والبغال ، ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ركوبهن للدواب محرّم عليهن ، وأنه سببٌ من أسباب الفتنة والإختلاط !.. ويوصل هؤلاء القول : بأن القضية التي يبحث أولئك عن حلّ لها في الشرع لاعلاقة لها بالشرع ، وهي من العُرف السعودي ، ويكفي إجماعا مدنيا وشعبيا للفصل فيها .. وتكفي إرادة (الحكومة) إما في أن تُساير العصر والتطورات ، وتُساير نهضتها العلمية والثقافية الممثلة في صرح كجامعة الأميرة نورة للطالبات !.. وإما أن تظل تمارس دور(الرقيب) الذي يحجب عن شبكات الإنترنيت ، حتى الصفحات (العبثية) والبريئة كصفحة ( من حقي أن أسوق) !.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــتاج الديــن | 22 . 05 . 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أترك تعليقا لو أردت