مرة أخرى بعد الألوف من المرّات التي لم تستطع أن تؤلف بين قلوب العرب ، يلتقون على طاولة نقاش (عقيم) واحدة ، هي الوحيدة القادرة ـ على ما يبدو ـ على جمعهم حول خشبها الأصم ، والصلب ، رغم أنوفهم ، ورغم مكابرتهم في قصورهم وبلاطاتهم ، ورغم قسوة قلوبهم الأشد من الصخر ، بل إن من الصخر ما يشقق فيخرج منه الماء ، وقلوب العرب لاتقطر منها سوى الأحقاد والضغائن ، والكثير الكثير من الفرقة ! ..
هي وحدها تلك الطاولة المستديرة تظهر كم هم أقزام ، وكم هم مثيرون للشفقة وهم يعتقدون أنهم بنفشهم لريشهم في رحاب تلك القاعات الفسيحة ، وبشموخ ذقونهم وتوجهها تلقاء قمم العلياء ، سيخفي واقع أنهم لازالوا يتمرغون في الحضيض ! ..
هي وحدها تلك الطاولة تجعلهم يتصافحون ، ويتبادلون الإبتسامات الصفراء أمام عدسات الكاميرات على الأقل ! ..
وإذا كانت طاولة من خشب قادرة على جعل الرؤساء العرب يجتمعون حولها ــ ولها مفعول السحر ذاك الذي يذيب قلوبهم ويجعلهم يغادرون مهاجعهم (التي لايستطيعون النوم في غيرها ) ، تاركين مناصبهم شاغرة دون حتى كتابة وصايا تخص الحكم في حال وقوع حوادث جوية تخسف بطائراتهم ( لاسمح الله ) ، وكل ذلك الحرص الشديد على حمل أختام الحكم في الترحال (النادر) هو نتيجة الخوف من الإنقلابات ، والخوف من إعاقتهم في الأجواء وتكبيل أيديهم ، وإقتيادهم إلى وجهات غير معروفة ! ــ فإننا سنتعلم النجارة ونصنع الكثير من الطاولات الخشبية .. لا بل سنجعل من الطاولة رمزا موحدا ( بشد وكسر الحاء) على كل علم عربي .. بل وأكثر سنسمي بها كل شارع عربي وكل حارة ، وكل خرابة .. وأكثر سنخصص مقطوعة تمتدح الطاولة ، وتثني على أفضالها في كل نشيد وطني عربي يردده الأطفال الصغار في فناءات مدارسهم كل صباح ، وندعوا لها بطول العمر عقب كل صلاة من صلوات اليوم الخمس .. بل وأكثر من كل ذلك بكثير ، إذ إن ألسنتنا تنعقد ولا ندري ما نقول في العزيزة الغالية ، السيدة ( طاولة ) !؟ ..
أيعقل أن تكون طاولة من خشب أصم أكثر حنكة من الرؤساء العرب الذين يستنفذون طاقاتهم في التشبث بكراسيهم ، وتفنى أعمارهم في معترك السياسة العفن وما يتعلمون من فن (الدبلوماسية) شيئا ؟! .. أيعقل أن يكون الجماد أكثر حيوية ونشاطا من الجمود العربي ولامبالاتهم وإستخفافهم بالعلاقات الأخوية ، وأكثر فعالية من عنترياتهم ، وأكثر صدقا وتأثيرا من خطاباتهم الرنانة التي لا تتجاوز عتبات الكلمات المجردة ؟! ..
الواقع أكثر صدقا ومصداقية من كل الوعود المقطوعة حول تلك الطاولة ، والتي يبعثرها أصحابها في كل مرة كما يبعثرون كرامة الأمة العربية ووحدتها بدماء باردة ، لكننا لانغسل أيدينا من سياساتهم العقيمة ولا نمل من مراجعة خطاباتهم الفقاعية .
ــــــ
تاج الديــن : 10 ـ 2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أترك تعليقا لو أردت