الوضع الراهن في تونس هو حديث الساعة وحديث العالم ، لأن الدويلة الصغيرة بحجم النملة هزت الرأي العام الدولي بصوت للديمقراطية هو أعلى من زئير السنافر المستأسدة ! .. الزئير الذي فصل بين الحقيقة والزيف ! .. الزئير الذي سمعت كل الشعوب وكل الأنظمة صداه ، فكبّرت له الشعوب الرازحة تحت الأوضاع المشابهة ، واستهجنته الأنظمة الهجينة وقذفته بنهيق الحمير وإطلالة الشياطين ، لأنها لاتريد أن يعلو أي صوت فوق أصواتها ، حتى ولو كان ملائكيا يعظم الإله بالحمد والتكبير والتسبيح ! ..
إن ماحصل في تونس أسقط القناع عن نظام إستفرد بشأن تونس كما تستفرد الذئاب بالخراف ، وطوق شعبها بأسيجة شائكة من التكميم ، وإضطهادٍ للحريات ، وتجفيفٍ لمنابع الدين ، في خلط شنيع بين العروبة والأروبية ، وبين الأصالة والعلمانية ! .. إن النظام الذي كان قائما في تونس لهو من أكثر الأنظمة العربية إنسلاخا عن العروبة ، وبن علي لم يكن متفتحا على الشأن العربي بقدر تفتحه على أوربا والغرب ! .. وكان يعمل على نيل مرضاة أرباب الأرض ممن كانوا يدعمونه ويمدونه بالإمدادات لخنق شعبه ، وكتم أنفاسه حتى عن الهمس بالمعتقدات عموما والمعتقد الإسلامي خصوصا ! .. بن علي لم يكن يبتغي مرضاة رب الناس ، لذلك كان يمنع المتدينين بدين الله حتى من أبسط حقوقهم المدنية ، في محاولات يائسة للقضاء على الشعائر الجماعية للمسلمين ، لأنه يدرك من خلال أخلائه الغرب الشياطين بأن قوة المسلمين في الجماعة ، لذلك فعل المستحيل لتفريق صفوف شعبه ! .. وصدق عزيزي القارئ أو لا ، أن الأمر وصل به إلى حد إصدار مقرر بالآتي : المساجد تظل مغلقة طيلة الوقت ، إلا وقت الآذان يفتحها المؤذن ويؤذن في الناس للصلاة ، ثم يخرج منها ويغلقها ، ومن أراد الصلاة فليصلي في بيته ، وإلا عنه ما صلى ؟! ..
بن علي لم يكن ديكتاتورا عاديا كي نغض الطرف عن سقوطه بتلك البساطة التي يتخيلها بعض الإخوان ، ممن يحثون التراب على رؤوسهم ، وينتحبون لرحيل الطاغية ! .. فالرجل كان يعمل طيلة العقود التي قضاها في سدة الحكم على تغليف الوضع الحقيقي لإنتماءات شعبه العقائدية بمظاهر التمدن المفروضة بالعصا لمن عصى ، وتكييف الهواء التونسي العربي المحافظ بما يخدم الإنفلات الغربي ، والتحرر الغربي ، فقام باستعباد شعبه لرسم تلك الصورة الزائفة للعلمانية التي أراد إلباسهم عباءتها قسرا ! ..
بن علي حفر قبر نظامه بيده يوم تدخل في إيمانيات شعبه ، ويوم حاول العبث بمقوماته وثوابته الدينية ! .. فالعلمانية لن تكون يوما حلا للتعايش الشعبي السلمي ، ولا للرقي ، ولا مظاهرا للمواطنة بالشكل الذي حاول بن علي التسويق لها في شوارع تونس ! ..
تونس الزيتون والزيتونة ، وحكايا الخلود والإنبعاث في قصائد الأحرار ، لن ترتمي هكذا ببساطة في أحضان الحداثة الزائفة ، ولن ترمي عنها أثواب التخلق من أجل زرقة العيون الأوروبية ، وهذا ما فهمه السي بن علي ـ لسوء حظه ـ متأخرا ، ويا لها من إستفاقة : (راني فهمتكم) ؟! ..
فالعلمانية التي عمل بن علي على تطبيقها كانت غطاءا يحجب تحته الكثير من الإنتهاكات الأخلاقية والإنسانية في حق شعبه ، لذلك وجب أن تفشل ، ففشلت ! ..
العلمانية ليست سلعة رخيصة يسوق لها البعض بالتهجم على المعتقدات ظنا منهم أنهم يطبقون مبادئها ، وهم عن جهل ينتقصون من شأنها ، لأنهم يولدون هجمات مضادة لاتخدم المواطنة الحقيقية التي تدعوا إليها العلمانية في التعايش السلمي دون فروقات طائفية .. وهذا هو الفخ الذي وقع فيه بن علي ! .
سبحان الله ! .. الأراضي العلمانية التي ظل يروج لتعاويذ تحررها الشيطانية ، ما طاقت حمل إرث العجوز الملاحق ، وما تلقفه من الضياع سوى الأراضي المباركة التي كان يقدح في شرفها بالأمس القريب ، وكان يمنع الحج إليها ؟! ..
سبحان الله ! ..
اللهم مالك الملك ، تؤتي الملك من تشاء ، وتنزع الملك ممن تشاء ، وتعز من تشاء ، وتذل من تشاء ، اللهم أعزنا ولا تذلنا ، وارفعنا ولا تضعنا ، وانصرنا ولا تنصر علينا .. آمين يارب العالمين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاج الديـن : 17 . 01 . 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أترك تعليقا لو أردت