مبارك الذي تأخر كثيرا هذه المرة في (إعادة) صياغة خطبته (الجاهزة) ـ التي ألف أن يُدير بها الأزمات ، ويكبح بها جماح الغضب والإحتجاج الشعبي على سياساته ـ لم يكن يعلم بأن ظهوره من عدمه على شاشات التلفزيون أصبح سيان ، وأن وقع كلماته العتيقة لم يعد مؤثرا ، فالشعب تعلم الكثير من كل تجاربه السابقة مع التهدئة التي لاتأتي بأي نتيجة في تغيير فعلي لسياسات النظام ! .. وهوعازم هذه المرة على أن لايتم الضحك على ذقنه بلغة خطاب متكررة ومهدِّدة ومتوعدة بسم حفظ النظام ، وبسم الدستور والقانون ! .. وعازم أيضا على وضع حدٍّ لعبثية أصحاب القرار ومماطلتهم في النظر في إنشغالاته وقضاياه ! ..
ولعل أكبر مفارقة في المشهد المصري هي أن يتابع العالم المؤتمرات الصحفية للرئيس الأمريكي ووزيرة خارجيته والناطق بسم البيت الأبيض ، وهم يتحدثون من خلالها بالنيابة عن الحكومة المصرية ، التي إكتفت بالتزام الصمت المريب والمقيت ! ..
تأخر مبارك في التوجه بخطاب تهدئة إلى شعبه الغاضب ، لكنه لم يكن ردا على المطالب الجماهيرية (التي تابع تطوراتها أول بأول) ! .. بل كان عبارة عن حلول ترقيعية معهودة ، ومحدودة مقتصرة على تقديم الحكومة كبشا إعتياديا لافتداء نظامه ، وإبعاد بعض المقرّبين وإظهار خصامهم كما هو الوضع الراهن مع الميليادير أحمد عز الذي قبل (الحزب الحاكم) إستقالته ؟! ..
لماذا إذن يُكابر الرجل ويدّعي الجبروت ، رغم أن صورته تظهر مقاومته الشديدة للعجز عن الوقوف مطولا على قدميه ! .. فالرجل يُكابر في إعلان حاجته إلى عكاز ، وحاجته إلى نظارات طبية تقيه الوقوع في الأخطاء الإملائية الفادحة والزلات الفاضحة من مثال : (إنني مُحتمِل) بدل (إنني أتحمل) ! ..
روبرت غيبس قال بأن الرئيس باراك أوباما لم يتحدث ولو تليفونيا مع الرئيس حسني مبارك بخصوص الوضع في بلده ! .. وطبعا الديبلوماسي الناطق بسم الإدارة الأمريكية لايدرك أنه بنفيه لأي إتصالات بين الزعيمين ، إنما هو يؤكد حدوث ذلك فعلا لكن بصورة سلبية لايستطيع التصريح بها أمام عدسات الكاميرات ، وأن رأي الإدارة الأمريكية واضح في دعمها لمطلب الشعب المصري في إسقاط نظام ترغب هي أيضا في إستبداله بآخر! ..
إنكار غيبس لأي تواصل بين أوباما ومبارك ، يعني عدم توصل الطرفين إلى تسوية أمام إصرار مبارك على العناد والمكابرة عن تقديم إستقالته ، حفاظا على ما تبقى له من ماء الوجه ، ولإعطاء فرصة لأمريكا لزرع رجلها الجديد بعيدا عن مقصلة الغضب الشعبي ، بالتالي سد كل المنافذ في وجهها لاستكمال مسيرة فرضها لوصايتها عليه ، فيما لو كان صاحب الفضل في إسقاط النظام كما حدث بتونس ! ..
مسار الأحداث أصبح يتضح مع مرور كل دقيقة من عمر الأحداث ، وأصبحت الرؤية تتبلور حول مصير النظام الذي يبدوا أن الشعب عازم على الإستمرار في تشييعه بالصرخات والشعارات الكثيرة ، التي لم تسلم حتى دبابات الجيش من خربشاتها وكلها طبق الأصل : (فليسقط مبارك) ! .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاج الديـن : 29 . 01 . 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أترك تعليقا لو أردت