بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 3 فبراير 2011

وطنية مُنتهية الصلاحيـة !

يبدو أن الخطاب الرسمي العربي يصبح (على قفا من يشيل) ، بعد كل زوبعة شعبية منادية بالتغيير ! .. وأيضا يصبح عاطفيا أكثر مع كل تهديد ! .. وبما أن العبرة بالخواتيم ، فالنظم الديكتاتورية تحرص على ترك العزف على الأوتار الحساسة لشعوبها إلى آخر أيامها ، في محاولات منها لإستدرار عطفها ، رغم أن تلك النظم لا تحكم ـ في الغالب ـ بالرأفة ولا بالرحمة ولاحتى بالعدل ، بقدر حُكمها بالقسوة والجبروت والطغيان ؟! ..
فها هو الرئيس التونسي المخلوع تبقى جملته الخطابية : ( راني فهمتكم) نموذجا للخطاب المتأخر والمفضوح ، والذي كان يهدف إلى الإلتفاف على المطلب الشعبي في تنحيه ، بالتركيز على شخصه لتوليد العاطفة الشعبية تجاهه كإنسان صالح وليس كرئيس فاسد ؟! .. وهذا بالضبط ما قام به الرئيس المصري في خطابه الأخير ، مع زيادة تلك الجرعة التي قدّمها بن علي ـ في عجالة وبإقتضاب واضح جعله يفشل ويهرب ـ فكان تأثيرها فوريا على فئات من الشعب المصري ، والتي إبتلعت الطعم بسهولة ، وتعاطفت مع (الريّس) ، وتباكت أمام شاشات التلفزيون بعد سماع كلماته المؤثرة ، والتي سلط الضوء من خلالها على (وطنيته) المطمورة تحت أنقاض العمالة ثلاثين عاما ؟! ..
بعد ثلاثون عاما يتذكر مبارك بأن مصر وطنا غاليا ونفيسا ، وأنه (مواطن بسيط) يملك الحق بالبقاء في حضنه !.. بعد أن كانت مصر في نظره مجرد (عزبة) ، يتصرف في أراضيها وفي عمالتها وقاطنيها كما يتصرف السيد في خدمه وعبيده أوأي متاع ! .. وبعد ثلاثين عاما ايضا يتذكر سلاح الوطنية الذي مات به سلفه أنور السادات وهو جالس إلى جانبه ليحل محله فيما بعد !.. السلاح الذي سبق إليه الشعب وصوبه نحوهم ليقتل به ثورتهم ، قبل أن تتلقفه أيديهم ويقتلوا به نظامه ! .. فأردى الكثير من إراداتهم في التغيير قتيلة ، ودفع بالكثير منهم إلى الشارع ليُناصروه ويُؤازروه ويصفقوا ويهللوا له ، ويعيثوا في إخوانهم المتظاهرين ضده تجريحا وتقتيلا ، وتحولوا إلى مكينة بجهاز ريموت كنترول في يد الحكومة توازي البوليس السري! .. وهذا كله بعد أن كانت دعواتهم ونداءاتهم برحيله تمزق سماء القاهرة ومدن مصرية أخرى ؟! ..
حسني مبارك الذي أرثى نفسه في لحظة ـ لكنها كانت كافية لغسل قسوة  وعار الثلاثين عاما ! ـ لم يكن يرثي حال الثمانين مليونا من مواطنيه (ولولحظة واحدة) خلال تلك العقود كلها ! .. ولم يكن قلبه يرق لإستغاثاتهم وأنينهم تحت وطأة الظلم والقهر!.. كما لم يكن يكلف نفسه حتى عناء قراءة التقارير اليومية ، التي يدرك يقينا أنها لاتعبر عن حقيقة أوضاع المواطن المصري البسيط ، لأنها تصل إلى يده بعد غربلة وإنتقائية تتماشى ومزاجيته ؟! .. وهذا الكلام بشهادة أحد المسؤولين السابقين بالديوان الرئاسي ، حيث قال بأن الرئيس مبارك يغضب كثيرا ويقيم الدنيا ولا يُقعدها ، عندما يتعدى التقرير اليومي عن إنشغالات مواطنيه (الصفحة الواحدة) ؟! .. الرئيس يثير جنونه أن تتجاوز إنشغالات الثمانين مليون مصري الصفحة الواحدة والمختصرة بشدة ؟! .. فأين العطف الذي عملت (جاهدا) ليحفظه لك الشعب طيلة الثلاثة عقود الماضية يا ريّس ؟! .. وأين هي تلك الرأفة والرحمة اللتان تريد أن تُعامَل بمثلهما اليوم ؟! .. وأين هي (الكرامة) التي حفظتها لوطنك ، ليحفظ الشعب اليوم كرامتك بعدم طردك منه وإبعادك عنه منبوذا مدحورا ؟! ..
لاأعتقد بأن الشعب المصري بذلك الغباء الذي يجعله يتحول إلى جلاد ٍلنفسه بسوط ٍظل ينهال عليه عقودا ، رمى به صاحبه ودون أن ينكر تنكيله أو يعتذرعن فظاظته ؟! .. ولا بذلك الغباء الذي يجعله يصدق أن نظاما شابَ على العمالة والسّادية سيُغير طبائعه بين ليلة وضحاها ؟! .. لأن المثل العربي يقول : ( من شبّ على شيءٍ شاب عليه) !..
فنظام مبارك لن يتغير ولن يلين جانب سياساته القاسية مهما غيّر الرجل من أماكن بيادقه ، ومهما غير لهجته الخطابيه أوتناقصت حدّتها من التهديد والوعيد ، إلى العزف على المشاعر الجماهيرية بإستظهاره لبطاقة (الهوية الوطنية) المُنتهية الصلاحيـة !..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاج الديـن : 03 . 02 . 2011 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أترك تعليقا لو أردت