يصبح المشهد الليبي أكثر تأثيرا ، والأوضاع هناك أكثر سوادا وقتامة مع مرور الأيام ، التي تبدو أيضا أطول من معتاد مشاهداتنا السابقة لأحداث مصر وتونس ! .. والواقع أن الإنتفاضة الليبية لاتزال يافعة ، بالمقارنة مع حكم القذافي الذي عمّر لأكثر من أربعة عقود ! .. والأيام الماضية ماهي إلا بداية فقط لإجتثاث نظام الطاغية ، رغم دمويتها ورغم الإبادة الجماعية للمواطنين الأحرار ، الخارجين عن طاعة (المعبود) المتألّه ! ..
أعتقد أن الشعب الليبي أصبح يعرف كاريزما القذافي جيدا ، ويتنبأ بردّات فعله ، ويقرأ أيضا نقاط الضعف ويُبصر الثغرات والهفوات في كتابه الأخضر وفي خطاباته ، بحكم العلاقة المعمّرة مابين الشعب والنظام !.. ما يمنحه أفضلية في المُضي قدما في مسيرته التحررية ، وعدم الإستسلام أمام النظام الذي يتوعد ، وينفذ ، ويردع ، ويسفك المزيد من الدماء من أجل البقاء .. وأي بقاء ؟! .. ولا يدرك أن الشعب لم يعد يصوره أسدا أوملكا لملوك الغابة ، بل إن مشهده أصبح يدفع إلى الضحك والسخرية ، وحتى قبل أن يحاول إطلاق شخيره في محاولات يائسة لإطلاق الزئير ! ..
كما أعتقد أن الشعب الليبي يدرك جيدا مخاطر الخروج على ديكتاتور نرجسي ، لايبصر أبعد من أناه ولايسعى لغير مجده الشخصي ! .. ديكتاتور يؤمن بقدسية نفسه ، ويتكبّرعن النزول من على رقاب خلق الله من الليبيين ، الذين أعياهم حمل إرثه وبخله وجبروته وانانيته ، لأربعين سنة أو مايزيد ! .. ما يدفع كل حيٍّ شريف على تراب ليبيا ، إلى الجهاد في سبيل الإقتصاص للشهداء الأبرياء من الطاغية السفاح .. فإما النيل منه أو الشهادة في سبيل الحق ! ..
وقد إتضح جليا أن القذافي ليس سوى سفاح ميت القلب والضمير ، لايضره أن يوضع عرشه فوق الأشلاء ، أو يعوم به في برك الدماء ، مادام جالسا فوقه ، وما دامت يداه ورجلاه وأثوابه لا تتلطخ بدماء تلك الفئران والجرذان ، وأولئك الصّيع والمشردين الضائعين في غياهب الإدمان ، وتعاطي المخدرات وابتلاع حبوب الهلوسة ، الذين يأمر زبانيته بقتلهم وإحراقهم ! .. القذافي لايضره أن تُنسف ليبيا ، أو أن تطحن عربات الجيش المزنجرة ودباباته وطائراته المواطنون الليبيون ، لأنهم لم يعودوا يستحقون الحياة بعدما نادوا بتنحيه دون المساس به ؟! .. القذافي يريد أن يموت على وقع كلمات الليبيين تهمس له بالحب والمجد والثناء ، والفضل في النعيم الذي رزقهم إياه ، لذلك وجب عليه الإنتقام من ناكري جميل نعمته ، والمتنكرين لدمائه الإلهية ! ..
القذافي أكد أنه لايستحق الحياة فيما لو رفضه الشعب الليبي ، وهو عن عمدٍ يتجاهل أصوات الأغلبية التي رفعت من سقف مطالبها إلى حدّ القبض عليه ، ومحاكمته على جرائمه في حق الإنسانية ، تماما كما يُحاكم السفاحين ومجرمي الحروب ، بعد أن كانت النداءات له بالتنحي كما أقرانه من المعمّرين ! ..
القذافي مستعد لنسف مكتسبات ليبيا ومنجزاتها الحالية ، وكذا مستقبل أبنائها والحد من طموحاتهم في غد أفضل وقريب .. من أجل الحفاظ على نيشان واحد من تلك النياشين الكثيرة ـ عن مجده وتاريخه ـ التي يفتخر بها ، ويرفض الرحيل بإسمها ! .. لكنه يقينا لايدرك أن الشعب لم يعد يقيم وزنا لكل تلك الأمجاد ، ولا لتلك الثورة التي يستعبدهم بها !.
القذافي يحتقر إرادة شعبه للنجاح في ثورة جديدة تطمس معالم ثورته القديمة .. والأكيد أن أمجاده كقائد وكثائر في وجه الظلم سيُرمى بها جميعا في مزبلة التاريخ ، لعزمه الواضح على إنهاء مسيرته النضالية كسفاح خارج عن جادة الصواب ! .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاج الديـن | 27 . 02 . 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أترك تعليقا لو أردت