إندثرَت ذكريات الصِّبا .. وتناثرت خصلات الشباب .. وتلاشت أشعة الأمل من الأفق هاهناك .. وحتى العينان خانتاني وأضحتا تُبصران بإزدواجية ، وبأعمدة مِن قصدير الحضارة !..
اللعبة واضحة ، لكن زمام المبادرة تتحكم به عقول آلية !..
ذبُلت أزهار الياسمين التي كنتُ فيما مضى أسقيها بماء العنبر !.. آسفٌ يا أزهاري فدموعي جفَّت منابعها ، وجفّ الريق الذي كان يحرك عجلة لساني !..
أعوامٌ طويلة مرّت ، ولم تعُد تُمطر سُحب دمائي ، أو تصبّ في أودية أوعيتي وشراييني !..
لم أتصوّر يوما أن لايترك لي قحط العُمر ، حتى على رطوبة جِلدتي فأصبحَت يابسة ، ولاتستهوي أحداً حتى رفيقة دربي التي دفَعَت آخرَ ورقة رابحة لديها حين كانت تتزين للحفلات التنكرية !.. إنها اليوم مثلي ، لاتقوى حتى على طرد صغار الغبار العابثين بالأثاث الذي كان غاليا وفاخراً في يومٍ من الأيام !..
أما السجائر ، فهي تتزاحم داخل غرفتها المُعلّبة ، وتتحداني أن أمسك بواحدة منها ، وألتهم دخانها بشراهة كما في السابِق !.. وأصبحَت تفلت من بين أصابعي النحيلة ، فأطاردها ببطئ ، وهي تستلقي على قفاها ضاحكة بسخرية من ضعفي بعد قوةٍ كانت !..
أما الجرائد ، فهي تبتسم حين تراني قادما نحو الكُشك .. وتتمنى كلّ واحدة منها أن أكون زبونا من نصيبها .. لأنها تعتبر ذلك جائزة عمرها القصير (الممتد من المطبعة إلى المحرقة) .. إذ أنها لا تتألم من التقليب المستمر ، أو الحرق كما عند الآخرين !..
لذا أعتبر نفسي ـ مع كل نقائصي ـ إنسانياً فاضلاً وعنصُراً مُتآكلاً ، تماما كأسناني التي تخوض عند كلّ وجبةٍ ، معركة ضارية مع كلّ لقمة تقتحم حِصن فكيّ الهرِم ، والعاجز عن صدِّ أي هجوم !..
الراية البيضاء أرفعها دفاعا عن مبادئي من النهب ، ودفاعا عن الحيز الصغير المتبقي لي ، من جُيوشِ أيادٍ تطالُ كل شيء .. وحمدا لله أنها لاتدري عن أوسمتي الصدأة شيئا ، وإلا ما تركتها رغم تآكُلها !.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاج الديــن | 26 . 05 . 2011
(مُكرّر مع التنقيح)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أترك تعليقا لو أردت