بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 11 يونيو 2011

أطبّاء .. وجِراح وطـن !

ولأن المُتناقضات في حياتنا أصبحت متلازمة كالهواء الذي نتنفسه ، أو كالمياه التي لاتستمر الحياة بدونها .. فلا نستغرب إذن أن نرى الأطباء هم مَن يزيدون تعميقا للجراح ، رغم أنهم أقسموا على أن يُداووها لا أن يزيدوها .. كما أقسموا على أن تكون (الروح) أغلى عندهم من كل كنوز الدنيا ، وإنقاذها هو واجبهم المُقدّس .. لكنهم يكتفون بالفرجة على آلاف الأرواح وهي تُحتضر أمامهم ، و(يُضربون) عن إنقاذها ـ أو حتى محاولة ذلك إذا كان أجلها قد حان ـ من أجل (المادة) ؟!..
قد لا يكون مشهد الأطباء الفلسطينيين (غريبا) ، وهم يُضربون عن علاج المرضى ويُطالبون بمعاملة مُحترمة ـ وهنا حين نقول (معاملة مُحترمة) فبالتأكيد نقصد راتبا كبيرا ومُحترما ، ومسكنا فخما ومُحترما ، وسيارة فارهة ومُحترمة .. وكذا جملة من الكماليات المُحترمة ـ لكنه مشهد يؤلم المُتفرّجين من العرب ـ أمثالي ـ  بشدّة !.. لأن فلسطين لا تنقصها الجراح ، خصوصا ممن يُفترض بهم علاجها وتطييبها وتطبيبها حتى بالمجّان .. فيساومون بأنانيتهم وطنا على نزيف شعب ؟!..
ألا (يتطوّع) كل من يُحسن التطبيب والتمريض أثناء الحروب ؟!.. بلى .. وفلسطين في حالة حرب منذ عقود .. ولم تتوقف دماء شعبها عن النزيف ، ولا دموع ثكلاها وأيتامها عن الإنهمار منذ عقود !.. فلسطين تعيش تحت إحتلال مُزمن لم يتوقف منذ أن وطئ أول يهودي غاصب أراضيها ، وهي في حالة حرب حتى إخراج آخر يهودي غاصب من بين أركانها ، وحتى تحرير كل شبر من أراضيها !.. فلماذا إذن يُطالب أطباءها أن يُعامَلوا (بإحترام زائد) كأطباء باقي الدول ؟!.. فهم لا يشبهونهم حتى ، لأنهم في حالة حرب وتحت الإحتلال ؟!..
مُؤلمُ جدا مشهد تلك الأم التي أصيبت بنيّتها بجلطة دماغية ، فحملتها بين ذراعيها ، وهرولت بها نحو مستشفى الضفة الغربية ، حيث كانت تنشد أمل إنقاذها لدى الملائكة من أصحاب المآزر البيضاء .. فتتفاجأ بالملائكة قد أضربوا عن رفرفة أجنحتهم ، حتى ينالوا مُقابلا لذلك !.. توقف دماغ الطفلة الصغيرة عن كل شيء ، حتى عن الحلم بالملائكة وهي تواسيها عند القضاء المحتوم !.. وكذلك أدمغتنا نحن ، رغم أننا لسنا في حالة غيبوبة مثلها (أو هكذا نعتقد) ؟!..
لا أقول إنه ليس من حق الأطباء أن يتقاضوا أجورا عالية ، إستنادا إلى شهاداتهم التي إقتطعوا سنين طوال من أعمارهم حتى حصّلوها .. ونظرا لمهامهم الميدانية التي تجعلهم يصلون ليلهم بنهارهم أحيانا كثيرة ، ويقتطعون إجازاتهم وساعات نومهم في بيوتهم و بين عائلاتهم !.. لكن ، ألم يكن إلتحاق الأطباء الفلسطينيين (تحديدا) بكليّات الطب ، هو من أجل خدمة الروح الإنسانية في المقام الأول ، ومن أجل خدمة القضية الفلسطينية الخالدة برسالة من أنبل الرسالات وأسماها عن كل الماديات ، بتطبيب جراح الشعب الرازح تحت الضغوط النفسية ، وتحت الحصار ، والقصف ، والعصف ، والتنكيل ، والتقتيل ؟!..
إذا كان هدف ـ أولئك الأطبّاء ـ من تعلم الطب هو رغبة في خدمة رسالة الطب ، ورغبة في إنقاذ ما أمكنهم من (أرواح) بشرية ، فالمُقابل (المادي) في هذه الحالة ـ من المفروض ـ سيكون آخر ما يفكرون فيه !.. أما إذا كان هدفهم من ذلك هو تقاضي أجور عالية ، أوأن يحظوا بمعاملة مُحترمة ـ على حدّ قولهم ـ فالحكومة الفلسطينية كما شعب فلسطين ، لا يملكون ما يُنفقونه من أموال على أحلامهم الشخصية ، لأنهم يُوفرون كل قرشٍ وكل سنتيم من أجل (البقاء) ، ومن اجل الحلم الأوحد في فلسطين حرّة مُعافاة !.
11 . 06 . 2011 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أترك تعليقا لو أردت