تنبأ بعض المهتمين بالشأن العربي ، بتهاوي الأنظمة العربية ـ تماما كتهاوي قطع الدومينو ـ بما أن أغلبها قائم على الديكتاتورية ، وبما أن أغلبها أيضا مجهزة بأقفال من ماركة (قانون الطوارئ) التي يسهل كسرها من طرف الشعوب ، أو إستبدال مفاتيحها الحكومية من طرف أمريكا ! .. وذلك بعد سقوط نظام بن علي في تونس ، ما جعل إحتمال إنتشار الثورة الشعبية في باقي الجسد العربي كبيرا ، ومشهدا منطقيا للقادم من (أيام الغضب) ! ..
من يقول بإستقلالية الحكام العرب عن سياسات أمريكا وأوروبا بالمنطقة العربية مشرقها ومغربها ، وأن بقاءهم على كراسيهم ليس منوطا بأريحية إسرائيل وأمنها ، فعليه حتما أن يُعيد التفكير ! .. لأن الأحداث الأخيرة بتونس أفرزت بعض الدلائل عن وقائع ميدانية للتخطيط الغربي ، وإعادة رسمه المتكرر لخرائط الحكم ولسياسات الدول العربية بشكل عام ! .. فمن كان يتصور أن بن علي الذي خلد في الحكم ولعقدين كاملين يتهاوى نظامه بتلك البساطة ، وأمام مرآى ومسمع الغرب الذين صنعوه دون أن يحركوا ساكنا ، ودون أن يرفّ لهم جفن ؟! .. بل إن أمريكا زادت في تحريض الشعب التونسي عليه ، في تصريحات لعدد من المسؤولين بالبيت الأبيض ، ودعواتهم الصريحة إلى ضرورة إحترام الحكومة التونسية لحق الشعب في التغيير ! ..
التغيير الذي لايكون أبدا بدون مباركة أمريكا ! .. فأمريكا هي من صنعت بن علي وهي من أطاحت به ، لأنه لم يعد قادرا على خدمة توجهاتها بالمنطقة ، ومازاد الطين بلة على رأس بن علي أنه لم يكن له وريث من لحمه ودمه يكمل عنه مشوار العمالة ، فإبنه لايزال صغيرا وقد جاء بعد عمر طويل لايكفي ما تبقى منه لتسليمه المشعل كما ينبغي ! ..
وأمريكا هي من صنعت نظام مبارك في مصر، ويبدو أنها بدأت بالعد العكسي للإطاحة به هو أيضا ، أو تغيير صورته على الأقل ، بنزع عباءة (آل مبارك) عنه بطريقة آمنة بعيدا عن مشنقة التوريث التي لن تترك له أعقابا ، وإلباسه (بردعة) حقوق الإنسان ولو إلى حين ! ..
من كان يعتقد من المصريين بأن البرادعي يختلف كثيرا عن حسني مبارك ، وأنه ليس تكملة للإيديولوجية الغربية بمنطقة حساسة كتلك ، فعليه بإعادة التفكير مليون مرة ! .. لأن البرادعي رجل علم وليس رجل سياسة فكيف إقتنع إذن بخوض غمار السياسة بتلك البساطة ؟! .. ولماذا تفيض تصريحاته بالثقة الكبيرة في حدوث تغيير للنظام بمصر ، إذا كان لايملك ضمانات غربية بأنه الرجل التالي القادم ؟! ..
وحول رأيه في الأحداث الراهنة بمصر أكد البرادعي على أن إيقاف التحرك الجماهيري المطالب بالتغيير بات مستحيلا ، وأن الحكومة (مُجبرة) على تغيير سياساتها ! .. والخطاب طبعا يتماشى والمستجدات التي يتابعها البرادعي من بعيد ، ويتقدمه الشعب الغاضب والحالم ، يفتديه بالأرواح ويمهد له الطريق لتحقيق غاية لن تكون رعاية حقوق الإنسان ـ التي يرفع البرادعي شعارها ـ فقط ، فالأجندة السياسية موضوعة مُسبقا ، ومصالح إسرائيل تحتل أولى الأولويات ـ بحسب ما يقتضيه بروتوكول تمرير السلطة ـ في جداول أعمال الحكومات البائدة منها والجديدة ! ..
فالغضب الشعبي العربي إذن هو من الغضب الأمريكي على بعض موظفيها ممن يشغلون مناصب حساسة ، تعتمد كليا على فرض الوصاية على تلك الشعوب وبأثواب مختلفة يتم تغييرها كلما إتسخت أو أصبحت بالية ! ..
ومع ذلك فلا يجب أن نقنط من مجيء يوم للتغيير الحقيقي ، الذي تبسط فيه الخلافة الإسلامية الحقيقية جناح رحمة الله وشريعته في العالم أجمع ، فيعيش البشر كلهم سعداء إلى ما شاء الله .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاج الديـن : 28 . 01 . 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أترك تعليقا لو أردت