تناقلت وكالات الأنباء خبر نزول عشرات القضاة في مصر إلى الشارع ، والإنضمام إلى حركة المحتجين والمطالبين برحيل الرئيس مبارك ! .. وقد خلف النبأ إنطباعات متباينة ومتناقضة في داخلي ! .. فالقضاة يعتبرون رمزا للحق والعدل ، وهم ملجأ المظلومين وملاذهم حين يتم تلفيق التهم ضدهم من قبل النظام الطاغية ، وحين يتم الزج بهم في السجون والمعتقلات دون وجه حق ! ..وهم أيضا خلفاء الله في عباده المستضعفين لئلا يُحرموا من حقوقهم على أيدي الأقوياء اللارحماء ! .. القضاة هم الشعلة الوحيدة التي (من المفروض) أنها لاتنطفأ حتى في أحلك الظروف ، والمنارة الصامدة في وجه الأمواج والأعاصير وقوى الشر ، فقط ليهتدي بها الفقراء والمساكين والحيارى والضائعين ! .. لكن هل كانت صورة القضاء المصري بذلك النقاء ؟ .. وهل كان سلك العدل على قدر كبير من المصداقية خلال الثلاثين سنة التي قضاها مبارك في الحكم ؟! ..
لاأعتقد شخصيا بنزاهة قضاة أقسموا على الفصل بين الحق والباطل ، وبين الخير والشر ما إستطاعوا إلى ذلك كله سبيلا ، لكنهم كانوا يستجيبون لدعوات مبارك (بإصلاحهم) وهوالمشهور بالفساد وبالأدلة ؟! .. وكانوا يتجمعون أمامه طيلة الثلاثين سنة بمعدل مرة في السنة ، وما تجرّأ أحد منهم على تقديم نفسه فداءاً للشعب المطحون تحت الظلم والقهر ، ولا حتى أن ينطق بكلمة حق في وجه سلطان جائر ويفوض بعدها أمره إلى الله لأن وجهه هو المقصود بقول الحق ! ..
ولا أعتقد أيضا بأن نزول القضاة المصريين إلى الشارع ، سينفي عنهم تهمة الدياثة المزمنة أمام النظام القائم منذ ثلاثة عقود ! .. كما لن يمحي عن جباههم وصمة عار التصفيق لخطابات مبارك على مدار تلك العقود في كل (عيد للقضاء المصري) ! .. وكذا وصمة عار إمتلاء السجون المصرية ومعتقلاتها بالأبرياء الذين كان أكبرهم إجراما هو من تجرّأ وقال للظالم بأنه ظالم فيُرمى به في تلك الظلمات ! ..
كما لاأعتقد بأن يقظة القضاة المتأخرة تختلف كثيرا عن يقظة النظام الذي كانوا يسيرون وفق أحكامه وشرائعه ، وكانوا يحكمون في الناس ويفصلون في مظالمهم بحسب هواه وعبثيته ! .. لأن الشعب الذي لايملك غير لحمه ودمه ثمنا لتحرره من الظلم لم يعد بحاجة إلى قضاء مسيّس لايحكم بشرع الله بل بشريعة مبارك ! .. والشعب اليوم لايحتاج إلى مدد إنقطع عنه منذ ثلاثين عاما ، وحين باع أصحابه ذممهم للشر وناوَؤا الحق وأضربوا خلال تلك المدة الطويلة كلها عن مناصرته ! ..
نصيحتي لكم يا من تحاولون التشبه بالقضاة النزهاء والمناهضين للظلم ، أن تتواروا عن الأنظار ، لأن تلويحكم بمآزركم في الهواء لن يعيد لها هيبتها ، وإطلاق الصيحات والهتافات لن يشفع لكم في صمتكم عن الحق لثلاثين عاما ! .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاج الديـن : 30 . 01 . 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أترك تعليقا لو أردت